عن الصّداقة أحدّثك



و اعلَمْ يا صديقي أنّ الصّداقة هي إحساس عابر لشخصين جمعتهما ظروف و طبائع مشتركة في زمن محدود غير ممدود. توادَّا و اقتربا حتّى صار كلّ واحد ملاذا للآخر، يلجأ إليه في الفرح و التّرح. 
ثمّ بانقضاء ذاك الزّمن المكتوب، و تبدّل تلك الظّروف و ما ينجرّ عنها من صقل النفّس و تبدّل الطّبائع، ينفصل الصّديق رُويدا رُويدا، كالخيط الّذي ينسلّ خلسة من معطف صوفيّ متين. قد لا تتفطّن لخروجه من صفوف الخيوط المتراصّة بحاسّة اللّمس، و لكنّ البصر يفضحه.
 كذا يا صديقي ننسحب من حياة بعضنا البعض، فلا نتيقّن من انفلات أواصر صداقتنا إلّا حين يُخيّم الصّمت علينا فلا نجد ما نقول بعد طول ثرثرة، و تتّسع الهوّة فلا يكاد صدى أصواتنا يصل إلى آذاننا.. 
ثمّ ما إن تلبث يا صديقي ماضيا، حتّى يأتي الحاضر بظروف جديدة يبرز معها صديق جديد. قد لا يحلّ محلّ القديم، فلكلّ نفسٍ خليلةٍ  مكانتُها، و لكنّه قد يملأ جزءًا من فراغ تركه هو، أو أحدثته أنت. 
و تمضي السُّنون و تتداول الأيّام بين الناّس... 
كذا هي الحياة يا صديقي، محطّات نقف بها و أشخاص يصعدون  فيها و ينزلون. منهم من يترك بصمة، و منهم من ترسم ذكراه على محياك بسمة. و منهم من لم يبقَ منه في مخيّلتك سوى رسمة. 
و ليست الحياة يا صديقي دار قرار، فدع النّاس يمرّون و واصل سيرك باستقرار.

CONVERSATION

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Back
to top