من أنتِ ؟



كنت أحثّ خطاي في ذلك الشّارع الضّيّق البارد متّجهة إلى عملي .. ككلّ يوم، كنت أرى نفس المارّة و نفس المتسوّلين المفترشين الأرصفة  الملتحفين السّماء، لكنّي لم أكن ألقي لهم أي بال ... فذلك الرّجل يدّعي العمى، و ذاك مبتور السّاقين يدخّن طول النّهار ... صار الأمر مألوفا و بتّ لا أراهم ...  بل صرت أمقت  عباراتهم  و  تذلّلهم  إلى النّاس...
لكنّ الأمر كان مختلفا في ذلك اليوم ، كانت هناك "متسوّلة جديدة" ، قابعة في ركن مظلم ، لم تكن مادّة يديها، بل كانت صامتة ملتفتة إلى الحائط، مطرقة رأسها ... كانت مرتدية عباءة سوداء مزركشة ... لفتت إنتباهي بهيئتها الغريبة ... توقّفت أمامها، نظرت إليها فلم تعرني أيّ إهتمام ...
لاحظت أنّها كانت تبكي بحرقة، كان جسدها يهتزّ و دموعها تنهمر بغزارة . أشفقت لحالها، فأطلت المكوث بجوارها ..
رفعت رأسها بحياء فبانت لي تقاسيم وجهها. كانت آية في الجمال ! تساءلت في نفسي : ما الّذي جاء بها إلى هنا ؟ نظرت في عينيها الكبيرتين ، كانتا مليئتين بالدّموع.. رقّ قلبي لها أكثر حين رأيت تلك الكدمات على وجهها و يديها . سألتها أخيرا : ما خطبك ؟ لم تبكين ؟
فأجابتني بصوت هافت منكسر : لقد ضربوني,مزّقوا ثيابي وقطّعوا جسدي أجزاء ...
نظرت إليها  مستغربة : ماذا تقصدين ؟ من ضربك ؟ من أنت ؟ و من أين أتيت ؟
ردّت قائلة : أتيت من السّماء ... أمّي أسيرة ... و ابني يُعذّب كلّ يوم أمام الملأ ... و أنت مثلهم، تريْنه ثمّ تتخاذلين ...
قلت في نفسي : إنّها تهذي !
اقترحت عليها مرافقتي، لعلّها تحتاج إلى علاج ما ..
أحسست بخيبة في نبرتها حين أجابتني : لست مجنونة ... و لست متسوّلة ... أنت تعلمين !
شعرت بالخوف ، فاعتذرت منها قائلة : أردت فقط المساعدة ...
و هممت بالإنصراف لكنّها أوقفتني و استرسلت في الكلام : إذن لماذا تهربين ؟ رأيتك الكثير من المرّات تعبرين هذا الطّريق، مثل أناس آخرين، تنظرين إليّ برهة و تبكين مثلهم ثم تمرّين ... و اليوم أطلت الوقوف، فأعدت إلي الأمل ... سأفصح لك عن أمر لا يخفى على بشر و لكنّه بات منسيّا كالسّر ّالدّفين ! أنا امرأة مكلومة، أجوب شوارعكم و أدخل دياركم كلّ حين ... لمست فيك هذا الإخلاص، هذه العزيمة و هذا اليقين ... فقلت في قرارة نفسي : ربّما تكونين أنت من أنتظر منذ سنين ... أو تكوني زوجته أو أمّه أو أخته، ما يدريني ؟ و إلّا فلِم تقفين ؟
كان كلامها غريبا، فسألتها مجددا : من أنت ؟ من هو ذا الّذي تنتظرين ؟
صمتت قليلا ثم تنهّدت و همست : أنا قلب ذلك الجسد الممزّق الحزين ...
أنا القدس ! إبني الأقصى و أمّي فلسطين !
أنتظر هنا بفارغ الصّبر منذ سنين ، داعية اللّه أن يخرج من أصلابكم صلاح الدّين !
الآن صرت تعلمين . لا تضيّعي الأمانة، فسوف تحاسبين عليها يوم الدّين !
كوني قويّة، و لا تهني و لا تحزني ، و كوني من الصّابرين ..
 إنّنا بالنّصر على يقين ..
 
و لا تشفقي عليّ .. فإنّ معي ربّا جبّارا يحمين

CONVERSATION

10 commentaires:

  1. excelleeeeeeeent !! même si j'ai deviné le "personnage" dès le début ou presque .. merci !

    RépondreSupprimer
  2. أعرفها .. تلك المرأة الفاتنة التي عنها تتحدثين ، منذ زمن لم ألتقيها .. تحدثت عنها فأيقظت في نفسي الحنين .. ليس لاني نسيت بل لأني وعدتها وقلت لها بإذن الله سأوف بوعدي ولو بعد سنين ..


    أذكر يوم التقيتها .. لم تكلمني ولم تهمس حتى في أذني ، كانت فقط تأن من بعد مجازر أبكت العالم بأسره ، لكنهم نسوها بعد حين ..

    جلست بجانبها .. رأيت مكتوباً على جبينها : " أين صلاح الدين"



    أين ..صلاح .. الدين


    يظن البعض أنه إسم شخص سيأتي، رجل يوماً سيولد ويقوم بالمعجزات الكبرى ويحرر لوحده فلسطين ..

    نسوا أن يقرأوا ما معنى الذي كتب على ذاك الجبين .. نسوا أن يفهموا أولا ما معنى صلاح .. الدين


    كانت حرارتها مرتفعة، لم استطع المكوث طويلا في نفس ساحتها ... فكرت كيف لي أن أساعدها ؟ نظرت إلى يدي هل تستطيع مسح دمعتها

    عجزت أمامها وكرهت نفسي لأني صغيرة جداً أمام ارادتها



    عانقتها، رغم إرتفاع وهج حرارتها .. عانقتها ، قلت لها إن شاء الله لك مني من البنين الكثير : إستبرق ، أحمد ، يمنى و ياسين ، لا تأبهي بالأسماء فقط أردت أن أقول أني

    نذرتهم لك نساء صالحات و فرسان ميامين ،و إن شاء الله سيأتونك ولو بعد سنين ...

    مدت يدها تصافحني و قالت : أرجو أن لا تطول بيننا السنين، فقد كاد يقتلني الحنين ، ولا شيء يقويني سوى وعد من الله حق ، أنه سينصرني وابنائي وكل من ماتوا بأحشائي .. ولو بعد حين
    ...

    RépondreSupprimer
  3. @Prima : na3rfek dhkia :D merci à toi ma chère *-*

    @Yosri : merciiii :)))

    @Agenda : je ne sais pas quoi dire ! that's just amazing !! bravo ! ( miselech na3mel copier coller w nzidou lil article ? :D ) encore bravo et mercii ma chère pour tout ;) !

    RépondreSupprimer
  4. loulou chérie ^_^ plutôt merci à toi pour ce beau moment que tu m'as offert:)) tu peux faire ce que tu veux;) ça me ferait plaisir^_^

    RépondreSupprimer
  5. انا ايضا اعرفها ... وكانت ولازالت تاتيني في احلامي وفي كل حين
    كنا دوما نتسامر على ضوء القمر ننتظر ضياء الفجر وزقزقة العصافير
    كانت دوما تروي لي قصص المعاناة واهات اليتامى والمساكين
    اخذتها يوم في جولة في بحر الثورات علي ابشرها بزوال جزء من الظلام الذي ملئ ليالين...
    رأيتها تبتسم ... وتتذكر ايام تموز منذ بضع سنين ....
    رأت زوال مماليك كنا نظنها قد احكمت التدبير ....
    رأت شباب استبشرت فيهم ريح صلاح الدين...
    وشابات حملن القضية ... فايقنت انهن سيلدن... حتما سيلدن... جيلا طال انتظاره منذ سينين....

    عدنا الى الشاطى وودعتها ككل المرات ...
    جادت عينها بالدمع وقالت .... ها قد هبت رياح التغيير ...
    ولكن مازال المشوار طويلا ...
    وغادرت وتركتني في غفلتي ....
    واني بانتظارها في كل حين ...

    RépondreSupprimer
  6. @Agenda: ça me fait plaisir *-* mais bon, j'étais en train de rigoler :p merci en tout cas , zeyed m3ak *-*

    @salaheddine .. euuh, je voulais dire Houcemeddine :p (inchAllah !) : that's so nice ! thanks :)

    ya3tikom essa7a yè jma3a, masha Allah 3likom, c'est très beau ce que vous avez écrit, et ça me fait plaisir que ça ait lieu sur mon blog ^^

    @Abstrusion : salaaaam *-* et merci ^^

    RépondreSupprimer
  7. très joli triplet; j'adore..
    C'est ça la vraie amitié! Rabi ydawem 3echretkom w yejma3kom 3ala ardhna w omna w 7bibetna palestine
    bonne continuation à vous tous
    salam

    RépondreSupprimer
  8. @Emna: wa3alaykom assalam warra7ma :) amine :)
    bienvenue et merci ^^

    RépondreSupprimer

Back
to top