و لو كنت فظا



جاءتها صديقتها تشتكي إليها : سئمت هؤلاء الّذين يدعون التدين و يتدخّلون في شؤون الناس بأسلوب شنيع
أجابتها مستغربة : عمّن تتحدثين ؟ أرجو أن لا أكون منهم
ـ اليوم كنت في سيّارة الأجرة، و كانت هناك فتاة ترتدي قميصا قصيرا، ما إن انحنت لتنزل حتّى بان أسفل ظهرها، صحيح أنّ الأمر كان محرجا و مزعجا للغاية ، لكنّه لا يبرّر ردة فعل تلك المرأة ..
ـ من تقصدين ؟
ـ كانت هناك امرأة محجّبة نزلت معها في نفس المحطّة ،  بمجرّد ان أغلقت الباب صاحت في وجهها أمام بقيّة الرّكّاب : "ألا تخجلين؟ أستري نفسك!  أين حياؤك؟" نظرت إليها بغضب لكنّها لم تجبها و مضت في سبيلها ..
جميع من كان في السيّارة انزعجوا في بادئ الأمر من ذلك المشهد مثلما فعلت ، لكن سرعان ما انقلب غضبهم ضدّ هذه المرأة المحجّبة لا معها .

"وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك " [آل عمران:159

الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر أمر ضروريّ يُراد به الخير لهذه الأمّة بإرشاد أفرادها و تعاونهم بالدعوة إلى كلّ مافيهِ صلاح و إنكار كلّ مافيهِ باطل

يقول تعالى :" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " [آل عمران:110

وعن حذيفة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكنّ اللّه عزّ وجلّ أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي وحسنه .

و المسلم الفطن من يتقن هذا الفنّ، فيتصيّد الفرصة المناسبة كي ينصح أخاه بأدب و لطف، دون أن يجرحه أو يهينه. فالهدف من النّصح ليس إقامة الحجّة عليه و إنّما إرادة الخير له ، و لا يكون ذلك إلا بمراعاته و احترامه .
 فهذه المرأة لم تكتف بإحراج تلك الفتاة، بل و أهانتها و قد تكون بذلك قد نفّرتها نفورا تامّا من كل ما يمت للحجاب  بصلة ..
إن المرء ليجد صعوبة أحيانا في تقبل تعليق أو نصيحة من صديق مقرب، فكيف إذا ما كان مأتاه شخص غريب في مكان عمومي و بأسلوب منفّر ؟

 تَغَمَّدَني بنُصْحكَ في انفرادِي وجَنِّبْنِي النصيحةَ فِي الجَمَاعةْ،
فإنَّ النُّصْحَ بَين الناسِ نوعٌ من التَّوْبيخ لا أَرْضَى استِمَاعَه
(الإمام الشّافعي)  

 يقول صلّى اللّه عليه و سلّم :" حُرِّم على النار : كل هيّن ليّن سهل ، قريب من النّاس " صحّحه الألباني
 
تلك حادثة مادامت إلا بضع دقائق , لكن لعل تأثيرها يدوم سنينا. لعل الامرلم يكن يحتاج سوى بعض التروي و الحكمة.
و تبقى طريقة التعامل مع الموقف هي سبب الاشكال و مع هذا نرجو ألّا يكون خطأ الأولى في طريقة توجيه النصح مغنيا للثانية عن مضمونه.
جميل أن نحب النصح و الرشاد لمن نراه في ضلال، لكن الأجمل و الأنفع أن نرتقي بالنصيحة كي تبلغ المقصود و نرضي بها المعبود، فما غير رضاه نرتضي و ما بغير هداه نقتدي.

و لعل أحسن ما قيل في هذا المقام , كلام الإمام السمرقندي في كتاب "تنبيه الغافلين" ( الصفحة 66 )

فالذي يأمر بالمعروف يحتاج إلى خمسة أشياء :
أولها : العلم لأن الجاهل لا يحسن الأمر بالمعروف
و الثاني : أن يُقصد به وجه الله تعالى و إعزاز الدين
و الثالث : الشفقة على من يُؤمر باللين و التودد، و لا يكون فظا غليظا ، لأن اللّه تعالى قال لموسى و هارون عليهما الصلاة و السلام حين بعثهما إلى فرعون "فقولا له قولا لينا" [طه:44 
و الرابع: أن يكون صبورا حليما، لأن اللّه تعالى قال في قصة لقمان عليه الصلاة و السلام :" و  أمر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر على ما أصابك" [لقمان:17 
و الخامس : أن يكون عاملا بما يأمر به، لكيلا يعير به و لئلا يدخل تحت قوله تعالى :" أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم"
[البقرة:44 ]

مُر بالمعروف بجمال و انه عن المنكر بجمال فكل شيء في إسلامنا جميل

"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [النحل :125

CONVERSATION

10 commentaires:

  1. الأمر بالمعروف بمعروف والنهي عن المنكر من دون منكر

    RépondreSupprimer
  2. فما فئات مالعباد صعيب ياسر باش تتفاهم معاهم حتى كي تستعمل معاهم الحكمة والموعظة الحسنة وتلقاهم جماعة ماهمش متربين ومايحترموش الدين الاسلامي ويستهزؤو بيه
    نعطيك مثال المخرج الهولندي اللي كتب القرءان على جسد مرأة صومالية وقتها واحد مالمسلمين المغاربة قتلو على خاطر ماستحملش اهانتو للدين الاسلامي وفما برشا عباد أسلوبهم استفزازي ماتنفع معاهم كان القوة وربي قال في القرءان وأعدو لهم ما استطعتم الاسلام عزيز برشا ومالازمش اللي يجي يتعدى عليه تحت أي اسم مالمسميات

    RépondreSupprimer
  3. مرحبا بك و شكرا على التعليق،
    ربي سبحانه قال لسيدنا موسى و هارون عليهما السلام " فقولا له قولا لينا" لشكون ؟ لفرعون إلي قال : "أنا ربكم الأعلى" !!
    الناس الي تستهزأ بالدين ، إيجاهم بهدوء و بالموعظة الحسنة، بدون عصبية و بدون تفسخ زادة، لازم المسلم يفرض الإحترام بكلامو الموزون دون إنفعال
    { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } . .
    و حتى إذا هوما واصلوا في الغلط ما تلجأش للعنف خاطرو في الأغلب ما يجيبش نتيجة
    " و أمر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر على ما أصابك"
    مشكلة الإنفعال مشكلة شائعة عنا للأسف، حكيت عليها شوية في تدوينة سابقة ( أدعوك إنك تتفرج في الفيديو )
    http://moi-graindesable.blogspot.com/2011/05/mise-au-point.html
    حكاية المخرج ظهرتلي بعيدة شوية على الموضوع أما شخصيا نشوف إنو كانوا ينجموا يرفعو ضدو قضية مثلا .. و باش نعطيك مثال في نفس السياق: كيف عملوا الكايكاتور على الرسول عليه الصلاة و السلام، طارق رمضان ألف كتاب كامل على حياته صلى الله عليه و سلم، باش الغرب يغير فكرتو و يعرف الحقيقة ...
    يظهرلي أسلوب كيف هكا يهدي برشا عباد أكثر من القتل ، و الله أعلم

    RépondreSupprimer
  4. شكرا لك على الاجابة
    طبعا القتل ما يهديش و لااكراه في الدين و"لست عليهم بمسيطر" و"من شاء فليكفر ومن شاء فليؤمن" لكن نحكي على الدفاع على الدين
    أنا في الغالب ضد العنف ولكني في بعض الاحيان أراه ضروريا ومشرعا حسب وجهة نظري وذلك حتى تستقيم الامور

    فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ

    RépondreSupprimer
  5. السلام عليكم

    التدوينة هايلة كالعادة

    للإضافة نزيد على كلام الإمام السمرقندي أنّه المسلم اللّي يحبّ ينصح و يدعو إلى سبيل الله بالحكمة و الموعظة الحسنة مالمستحسن أنّه يكون مثال يحتذى به على الأقلّ في حاجة
    بالطبيعة هذا يبقى رأي شخصي

    حسب رأيي المتواضع الانسان بطبعه في العادة ما ياخذش النصيحة من عند انسان فاشل اجتماعيّا ولاّ أخلاقيّا

    RépondreSupprimer
  6. @Ayhem:
    فهمت قصدك أما نفضل كلمة "حزم" على "عنف" ;)

    @Deceazed Fella :
    و عليكم السلام و الرحمة، بارك الله فيك :)
    أكيد اللي قلتو صحيح ، و يظهرلي يندرج ضمن الشرط الخامس اللي قالو الإمام السمرقندي

    RépondreSupprimer
  7. ما يقوله أيهم برهان أن اسلام=ارهاب

    انه يبرر و يدعو للقتل مبررا ذلك بنصوص قرآنية مدافعا كما قال عن الاسلام إذ لا بقاء للاسلام بلا عنف و ارهاب

    RépondreSupprimer
  8. @Anonyme :

    ما يقوله أيهم هو رأيه الشخصي و من السخيف أن تستنتج ما قلت من تعليق بسيط في مدونة بسيطة ، لا أحد يدعى تمثيل الإسلام . و أدعوك أن تثقف نفسك و تطرح جانبا أفكارك المسبقة قبل أن تتكلم بأسلوب غير مؤدب مثلما فعلت في المقال الأخير ... لن أسمح لك أن تسب الإسلام في فضائي الشخصي ، و إن لم يعجبك كلامي،فلا تزعج نفسك بقراءتي و إحترم نفسك و لا تضيع وقتي الثمين مرة ثانية .
    .

    RépondreSupprimer
  9. الإسلام كدين باقي الى قيام الساعة دون حاجة للبشر مش للعنف والإرهاب وإذا كان جيت قاري كلام ربي راهي الآية هاذي استوقفتك
    (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) - الحجر(9).
    والآية اللي استشهدت باها واضحة تبدى ب فمن اعتدى عليكم مش اعتدوا
    معناها بردة الفعل مش بالفعل
    وغالبية العباد قاعدة تطبق في "ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بأكثر مما اعتدى به عليكم"
    وربي قال} : وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً{
    وزيد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال» اجتنبوا السّبع الموبقات ، قيل : وما هنّ يا رسول اللّه ؟ قال : الشّرك باللّه ، والسّحر ، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ، وأكل الرّبا ، وأكل مال اليتيم ، والتّولّي يوم الزّحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات .

    و ظاهرلي مافماش علاش الواحد يستعمل العنف ويقتل العباد من غير حتى مبرر
    و نهار القيامة باش يجيو المسلمين اللي قامو بعمليات استشهادية ويوقفو بين ايدين ربي كي العباد الكل ويسألهم وبالطبيعة الصادقين اللي ابتغاو وجه ربي باش يلقاو رواحهم في الجنة والمجرمين باش يلقاو رواحهم في الجحيم
    @Lili شكرا لك على الرد :)

    RépondreSupprimer

Back
to top