فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا/ الجزء الخامس
لم أكن لأُتمّ هذا الجزء لو لم تضق عليّ نفسي فجأة، و يغوصَ قلبي في حالة من الحزن اللّاسببيّ . وحدي في البيت بعد أن رفضت الذّهاب إلى حفل الزّفاف. لقد أقسمت!
"و ما شأني أنا؟" قد يقول أحد المارّة من هنا.
سؤال قد أجد له عذرا في هذا المقام، لكنّي أمقته في مقامات أخرى عديدة.
قالتها لي زميلة في يوم ما: "و ما شأننا نحن؟" عند الحديث عمّا ارتكبه الجيش المصريّ من جرائم (لن نختلف عن هكذا تسمية، أليس كذلك؟ ). أبديت امتعاضي من كلامها. إذا كنّا لامبالين، فالقياس يقتضي أن نكرّر نفس الهراء (نعم، هو هراء) للحديث عن فلسطين، عن سوريا، عن العراق، عن بورما .. "ما شأننا نحن؟"
"و ما شأني أنا؟" قد يقول أحد المارّة من هنا.
سؤال قد أجد له عذرا في هذا المقام، لكنّي أمقته في مقامات أخرى عديدة.
قالتها لي زميلة في يوم ما: "و ما شأننا نحن؟" عند الحديث عمّا ارتكبه الجيش المصريّ من جرائم (لن نختلف عن هكذا تسمية، أليس كذلك؟ ). أبديت امتعاضي من كلامها. إذا كنّا لامبالين، فالقياس يقتضي أن نكرّر نفس الهراء (نعم، هو هراء) للحديث عن فلسطين، عن سوريا، عن العراق، عن بورما .. "ما شأننا نحن؟"
"لَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" .. سئمت الحوارات العقيمة، و بان لي أكثر من أيّ وقت مضى، أنّها "لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور" ..
هُو رَانٌ على القلب يضع على العين الغشاء. هو شِرك خفيّ يجعل الدّعاء جافيا قليل الرّجاء.
بعد القيام من الرّكوع شرع الإمام ذو الصّوت الجهوريّ في دعاء القنوت. ثمّ تقطّع صوته لِفَرط البكاء.
هُو رَانٌ على القلب يضع على العين الغشاء. هو شِرك خفيّ يجعل الدّعاء جافيا قليل الرّجاء.
بعد القيام من الرّكوع شرع الإمام ذو الصّوت الجهوريّ في دعاء القنوت. ثمّ تقطّع صوته لِفَرط البكاء.
تنساب دموعي مثل الجميع. و هنا يرد إلى ذهني أن ّ البعض منّا قد يتأثّر صدقا لفحوى الدّعاء ذاته، و ما يحرّكه فينا من إيمانيّات كانت قابعة لمدّة في خبايا نفوسنا المرهقة. لكنّ البعض أيضا قد يبكي فقط لبكاء الإمام، هي عدوى الأحاسيس ـ إن جاز التّعبير ـ هي الرّحمة البريئة. نشفق لأنّ أحدنا أشفق. نحزن لأنّ الموقف من المفروض أن يستدعي الحزن، نخشع لأنّه من غير اللّا ئق ألّا نخشع.
لا أستثني نفسي من هذا الصّنف أو ذاك، و لكنّي أتساءل عمّا يخالج القلب حينها. أتساءل عن معنى الإخلاص. عن تلك اللّحظة الّتي يتساوى فيها عندك المدح و الذّمّ، و الصّيرورة و العدم، حين لا ترى في الوجود أحدا من البشر و تتعلّق روحك فقط بربّ البشر .. حين ينطق اللّسان لاواعيا بما ينبع من القلب واعيا.
لحظات صدق يهتزّ فيها الفؤاد حبّا و إخلاصا.
كم هي نادرة .. فوا أسفي على نفسي !
يواصل الإمام الدّعاء و ينتقل لمصائب الأمّة..
سوريا .. ذلك الجرح الغائر الّذي لا زال ينزف. و عجبي لجسد ينزف عضو منه بشدّة و لا يدير له بالا. عجبي لجسد يرنو الشّفاء و لا يرى موضع الدّاء. عجبي لجسد يبغي الحياة و عضو فيه يموت ببطء في انتظار الدّواء. عجبي لجسد اعتاد الألم، و الألم يزداد حدّة في كلّ يوم.
سوريا .. ذلك الجرح الغائر الّذي لا زال ينزف. و عجبي لجسد ينزف عضو منه بشدّة و لا يدير له بالا. عجبي لجسد يرنو الشّفاء و لا يرى موضع الدّاء. عجبي لجسد يبغي الحياة و عضو فيه يموت ببطء في انتظار الدّواء. عجبي لجسد اعتاد الألم، و الألم يزداد حدّة في كلّ يوم.
بكى الإمام بحرقة، و بكيت. رأيتُ جسدي يهتزّ و أنفاسي تتسارع، ضاق صدري و وضعت يدي على قلبي.
هو ذاك العضو النّازف الجريح ..
يريد فقط أن يستريح..
انتهى
6 commentaires:
Enregistrer un commentaire