ذكريات من عصر الظلمات ـ 1 ـ


فتحت عينيها ككل يوم، على مضض . كم  تكره صوت المنبه ! لم يكن ذلك من باب الكسل و لا العجز، و لكنها لا تريد أن تستيقظ من أحلامها الوردية ...
نفس الضيق يخالج صدرها كلما استعدت لمغادرة البيت ... ينتظرها يوم طويل و حواجز عديدة ...
أطالت المكوث أمام المرآة  مثل جميع الفتيات، لكنها لم تكن تفعل ما يفعلن ...
كان عليها أن ترتدي تلك الأشياء الغريبة ... لطالما كانت أنيقة ... لم يكن يرد لذهنها يوما أنها ستلجأ لمثل هذه "الوسائل" : قبعة روبن هود ( كما كان يحلو لها تسميتها )، قلنسوة الإسكيمو أو قبعة المغنين الأفارقة
؟ كم كانت تمقت ذلك المظهر !
خرجت متأخرة كعادتها لتركب تلك الحافلة المزدحمة. جالت ببصرها في كل زاوية تبحث عنه ، كان عليها أن تختفي وسط  الطلبة كي تتحاشاه ، فهو لا يتردد في التحرش بكل بنت تمر حذوه ...
طوال الطريق كانت تفكر في دراستها و مستقبلها، والدتها و عائلتها التي ستتركها لتعيش بعيدا ... في ذلك البلد المجهول حيث ترتدي ما تشاء و تقول ما تشاء دون خوف أو كبت ...
 وصلت أخيرا ... حثت خطاها تجاه الكلّيّة ...
أخذت تمعن النظر من بعيد، علّها ترى ذلك الزي الأزرق ... لم يعترضها أحد في طريقها ... لم تجد من تسأله ذلك السؤال اليومي المحرج : هل هناك شرطي في المدخل ؟
تسارعت دقات قلبها عند اقترابها من الباب الرئيسي ... أخذت تردد بهدوء ذلك الدعاء الذي لقنتها إياه والدتها : اللهم اكفنيهم بما شئت و كما شئت إنك على ما تشاء قدير ... و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ... يا رب قني شرهم ...
اجتازت عتبة الباب، فتنفست الصعداء ... لقد مرت بسلام !
لم يدم فرحها كثيرا، فما إن خطت بعض الخطوات حتى سمعت ذلك الصوت : تعالي إلى هنا ! أين تذهبين ؟
التفتت إليه و أجابته مضطربة : ماذا هناك ؟
ـ ألا تدرين ؟
ـ لم أفهم ...
ـ ما هذا الذي تضعينه فوق رأسك ؟
ـ إنها قبعة ...
ـ إخلعيها !
ـ و لِم؟
ـ أعلم أنك محجبة، هيا إخلعيها ، لا أريد النقاش !
ـ الجو بارد ... سأخلعها حين أدخل القسم ...
ـ  قلت لك اخلعيها الآن و إلا أخذتك معي إلى مركز الأمن الجامعي !
تمالكت نفسها عن البكاء ، ترددت كي تجيبه ... ماذا عساها تفعل ؟
 ارتعدت يداها و هما ترتفعان لتنزع القبعة عن رأسها ، بينما كان هو ينظر إليها بفخر ...  كم كانت تكره ذلك الموقف !
أفكار عديدة كانت تجول بخاطرها أثناء تلك اللحظة : لن أدخل، سأعود إلى البيت ... و لكنه هددني !
 لن أخلعه و ليفعل ما يشاء ... هم مجرمون ، ليس في قلوبهم شفقة ...
 و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه ؟! لن يدعني و شأني ، ثم إنها ليست أول مرة ... أريد أن تنشق الأرض و تبتلعني ! يا رب أغثني !
خلعت القبعة أخيرا، ثم سارت بخطى متثاقلة مطأطئة رأس
ها... فأضاف قائلا بنبرة هادئة غير مألوفة : من هنا فصاعدا لا تخلعي حجابك في الكلّية ...
 لم تفهم قصده، لِم طلب مني ذلك إذن ؟ هل كان يمتحنني ؟
 تسرب أمل مشوب بحذر داخل قلبها الحزين، لكنه سرعان ما تبدد حين أتم جملته ساخر
ا : بل اخلعيه إلي الأبد !
واصلت سيرها و عيناها مغرورقتان بالدموع ... إلى أن التحقت بصفها

...


يتبع

CONVERSATION

11 commentaires:

  1. Ahh ma chérie, déjà vu, déjà vécu ! Tu m'as émue !

    Et j'attends la suite ..

    RépondreSupprimer
  2. والله نعبو منهم شكاير الحكايات هاذم :// وصلو هزونا من البطحة ...

    RépondreSupprimer
  3. iih.. ya 7assra ya Lili :) alhamdoulileh j'ai jamais eu a porter un chapeau, ni a entrer a mon université sans hijab, mai je me rappelle de cet homme, il resemblait a un super mario ma ta3rach mnine yatla3lek :) subhan moughayer el a7wel, ça m'a rappelé les larmes ke j'ai pleuré en ma 3 ème année quand la secrétaire generéle a refusé mon inscription, a moin ke j'enlève mon voile, je l'ai pas fait, mais j'ai pas pu empêcher mes larmes, j'ai pas voulu k'elle me voit pleurer, b3edt 3liha , cette skizo, j'ai pas voulu lui procurer ce plaisir de voir une fille voilée ki pleure, rawa7t leddar, w alhamdoulilleh je me suis inscrite plus tard.

    عليهم من الله ما يستحقّون

    RépondreSupprimer
  4. joli style comme d'hab, je crois que tu suis le conseil de "the king" qui a dit "pourquoi on ne ferait pas un film comme persepolis, non? "

    RépondreSupprimer
  5. les mêmes "beaux" et horribles souvenirs m'ont remonté à la tête en regardant le film ... j'attends la suite :)

    RépondreSupprimer
  6. @ Prima : merci ma chère ! 9addech el we7ed tmarmed w yji ba3d chkoun y9ollek "chouli9a" :/

    @ the king : mar7bè bik :) inchAllah !

    @ Zied : eh oui ! malheureusement ! Rabbi yenta9im minhom !
    et bienvenue :)

    RépondreSupprimer
  7. @ Morjena : amine :'( c'est vraiment humiliant ! inti au moins hak ma na7itouch, eni trassatli njarreb fi barcha 5ouza3balèt :/ heureusement qu'à partir de ma 3ème année ma3adech ykalmouna ...

    @ Laaziz : merci ^^ oui, c'est lui qui m'a donné l'idée, mais c'est pas vraiment un "film" mais presque de l'autobiographie ...

    @ tounsya : mar7bè bik ^^ bienvenue au club :) Allah al mosta3an !

    RépondreSupprimer
  8. السلام عليكم و رحمة الله , أسلوب جميل و ابداع في السرد , هذا بالضبط ما مرّ على كل متحجّبة في تونس الله يسامحنا على زلاتنا و نسأله أن لا يعيد علينا تلك المواقف
    ...رائع صديقتي في انتظار البقية :)

    RépondreSupprimer
  9. و عليكم السلام و الرحمة ، مرحبا بك ^^
    بارك الله فيك و شكرا على الإطراء :)
    اللهم آمين ! يسرني مرورك ؛)

    RépondreSupprimer

Back
to top